يرى الكاتب جورجيو كافيييرو أن العقوبات التي أعادت القوى الأوروبية فرضها على إيران في سبتمبر الماضي أعادت إشعال التوتر النووي بين طهران والغرب، ودفعت إيران إلى تعزيز شراكتها مع روسيا. فقد فعّلت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا آلية “العودة التلقائية” ضمن الاتفاق النووي المعروف بـ“خطة العمل المشتركة الشاملة”، ما أعاد فرض العقوبات الأممية التي كانت رُفعت قبل عام 2015. هذا القرار، الذي تعتبره موسكو “غير شرعي”، يفتح الباب أمام تعاون أوسع بين الدولتين الساعيتين إلى كسر الهيمنة الغربية.

يؤكد الكاتب أنّ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 عجّل بانعطاف إيران نحو الشرق، إذ وجدت نفسها مضطرة لتوثيق تحالفها مع قوى مناوئة لواشنطن. وبرغم انعدام الثقة التاريخي بين موسكو وطهران، تتصرف الدولتان ببراجماتية واضحة، وتجمعهما مصلحة مشتركة في تقويض النفوذ الأمريكي. كلما اشتدّ الضغط الغربي، تزداد مبررات التعاون الاقتصادي والعسكري بينهما.

في الفقرة التالية يوضح أتلانتيك كاونسل أن موقف روسيا من آلية “العودة التلقائية” يعكس مفارقة سياسية لافتة. فموسكو هي التي اقترحت هذه الآلية أصلًا ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2231 لضمان إمكانية فرض العقوبات على إيران إذا انتهكت الاتفاق. لكنها اليوم ترفض تفعيلها بشدة، وتصفها بأنها إجراء “قانونيًّا معيب”. وترى روسيا أن القوى الأوروبية فقدت حقها في اللجوء إليها لأنها أخلّت ببنود الاتفاق، وتؤكد أن إعادة العقوبات لا تحمل قوة قانونية ملزمة.

يشير الكاتب إلى أن روسيا والصين وقفتا عام 2020 في وجه محاولة إدارة ترامب استخدام الآلية ذاتها، بحجة أن واشنطن فقدت صفتها القانونية بعد انسحابها من الاتفاق. واستند البلدان إلى رأي استشاري صادر عن محكمة العدل الدولية عام 1971 يقضي بأن الطرف الذي يتنصل من التزاماته لا يحق له الاستفادة من حقوق الاتفاق نفسه.

ورغم فشل روسيا في منع تفعيل العقوبات الأممية الجديدة، فهي تملك أدوات لتعطيل تنفيذها. إذ يمكنها مثلًا منع إعادة تفعيل لجنة العقوبات 1737 الخاصة بإيران داخل مجلس الأمن، لأن قراراتها تحتاج إلى إجماع الأعضاء الدائمين.

يستخدم الكرملين هذه الورقة لإضعاف أثر العقوبات أكثر مما يعارضها رمزيًا فقط. ومع ذلك، يتوقع الكاتب أن تؤدي عودة العقوبات إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على طهران، وإلى توتير العلاقة بين النخبة الحاكمة والمجتمع الإيراني.

في المقابل، يرى الكاتب أن رفض موسكو الامتثال للعقوبات يمنح إيران متنفسًا اقتصاديًا ويعمّق شراكتها مع روسيا في مجالات الطاقة والتكنولوجيا النووية والتجارة. ووقّع الرئيسان فلاديمير بوتين ومسرود بزشكيان قبل تسعة أشهر معاهدة “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، ما يرسّخ التعاون الثنائي رغم الاعتراض الغربي. كما تعتمد طهران على موسكو للدفاع عن مصالحها داخل مجلس الأمن ولمواجهة الضغوط الأوروبية والأمريكية.

يشرح الكاتب أن هذا التحالف يندرج ضمن سياسة “التوجّه شرقًا” التي تتبناها طهران، والتي تسعى من خلالها إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين وباكستان ودول آسيا الوسطى. وتشعر القيادة الإيرانية بأنّ عضويتها في تجمعات مثل “بريكس+” ومنظمة شنجهاي للتعاون تثبت صواب هذا المسار. في نظرها، أثبتت أوروبا مجددًا أنها شريك غير موثوق، خاصة بعد دعمها لإسرائيل في “حرب الأيام الاثني عشر” الأخيرة وصمتها إزاء الغارات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية.

يرى الكاتب أنّ هذا الواقع يقوّض التيار الإصلاحي داخل إيران الذي دعا إلى تفاهم جديد مع الغرب. ومع ذلك، لا تنوي طهران إغلاق باب التفاوض تمامًا، لكنها تفضّل مبدأ الردع على التسويات الدبلوماسية.

ويضيف أنّ العلاقة الإيرانية-الروسية تواجه معوّقات جوهرية تحول دون تحوّلها إلى تحالف كامل. أبرز هذه العقبات هو تقارب موسكو مع إسرائيل، حيث حافظ بوتين ونتنياهو على علاقات وثيقة. كما تسعى روسيا إلى إبقاء علاقاتها قوية مع دول الخليج التي لا تزال تشكّ في نوايا إيران، خصوصًا بعد دعمها لميليشيات مسلحة في المنطقة واستمرارها في تطوير قدراتها الصاروخية والطائرات المسيّرة.

تعمّق الخلاف أكثر بعد الحرب الأخيرة حين اكتفت موسكو بإدانة الهجمات الإسرائيلية على إيران دون اتخاذ خطوات عملية. واتهم بعض المسؤولين الإيرانيين روسيا بتسريب معلومات استخباراتية إلى إسرائيل، ما زاد من أزمة الثقة بين الجانبين. رغم ذلك، تبقى طهران مضطرة لتعزيز تعاونها مع موسكو في مجالات الدفاع والاستخبارات والتكنولوجيا العسكرية، لتخفيف آثار العزلة الدولية المتصاعدة.

يخلص الكاتب إلى أن التلاقي المتزايد بين إيران وروسيا يقوّض محاولات الغرب لاحتواء طهران ويكشف فشل الدبلوماسية الأوروبية في صياغة بديل للاتفاق النووي. ويعتبر أنّ العقوبات الجديدة لا تضعف النظام الإيراني بقدر ما تدفعه نحو أحضان موسكو، لتشكيل محور يعارض النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. ومع انعدام الثقة وغياب أي مبادرة غربية واقعية، يزداد ابتعاد إيران عن الغرب يومًا بعد يوم، في مشهد يرسّخ تحوّل ميزان القوى شرقًا ويعمّق الشرخ داخل النظام الدولي نفسه.

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/snapback-sanctions-are-deepening-the-iran-russia-alignment/